يشرح عالم النفس العصبي والباحث Ángel Martínez Nogueras في هذا المقال تشوه شاري من النوع الأول ويعرض حالة سريرية.
قبل الدخول في عرض الحالة السريرية التي سنتناولها اليوم، سأصف بإيجاز ماهية تشوه شاري.
ما هو تشوه شاري؟
إنه تشوه ناتج عن تطور غير مكتمل للجزء الخلفي السفلي من قاعدة الجمجمة أثناء المرحلة الجنينية، والذي قد يصاحبه مضاعفات مثل تكوّن التجاويف الحبلية (السيرينغوميليا) والاستسقاء الدماغي.
أشد صورها تتمثل في هبوط أجزاء من أدنى جزء من المخيخ، لوزتا المخيخ، و جذع الدماغ عبر الثقبة العظمى (foramen magnum)، بحيث تصل بعض أجزاء الدماغ إلى القناة الشوكية مسببة تضخماً وضغطاً عليها.
تشوه شاري من النوع الأول
يمكن تصنيف تشوه شاري إلى 5 أنواع مختلفة، ويُعد النوع الأول هو الأكثر شيوعاً (1).
يتضمن تشوه شاري من النوع الأول هبوطاً نحو الذيل لل لوزتا المخيخ بحوالي 5 مم تحت الثقبة العظمى، والذي عادةً لا يصاحبه هبوط في جذع الدماغ أو البطين الرابع أو استسقاء دماغي، لكنه يرتبط بالسيرينغوميليا.
السيرينغوميليا تحدث نتيجة تكوّن تجاويف أو أكياس (سيرينكس) مملوءة بسائل داخل الحبل الشوكي، والتي قد تتوسع ببطء مسببة تلفاً تدريجياً للحبل الشوكي وارتفاع ضغط داخل القحف نتيجة الضغط الناجم عن ذلك السائل.
أعراض تشوه شاري
الأعراض المرتبطة بتشوه شاري قد تكون عديدة ومتنوعة للغاية، وتشمل عجزاً حركياً، واضطرابات عاطفية ومعرفية وحسية واضطرابات في الجهاز العصبي الذاتي.
ولعدم الإطالة في هذه التدوينة أحيلكم إلى المراجع المرفقة حيث يمكن مراجعة جميع الأعراض الممكنة وتفاصيل أخرى عن شاري. (2,3)
حالة سريرية لتشوّه شاري من النوع الأول
طفلة تم تشخيصها بتشوّه شاري من النوع الأول مع سيرينغوميليا، أجريت لها عملية جراحية في سن الثانية عشرة.
بعد العملية توجهت إلى مركز لإعادة التأهيل العصبي لتلقي رعاية متخصصة. عندما بدأنا برنامج إعادة التأهيل العصبي كانت تبلغ 13 عاماً وتدرس في الصف الأول الثانوي (2º ESO)، وكانت تحتاج إلى دعم تعليمي خاص.
خلال المقابلة وإعداد السيرة المرضية تم جمع المعلومات التالية:
- جلست مستقيماً في سن 6-7 أشهر.
- مشيت في عمر 18-20 شهراً.
- اكتسبت اللغة بشكل جيد.
- تفيد العائلة بأنها منذ الولادة تبدو عليها الخشونة من الناحية الحركية، سواء الحركات الكبيرة أو الدقيقة.
- تسقط كثيراً ولديها نمط مشي غير مستقر.
- المهام اليدوية مثل الرسم والكتابة والتلوين وربط الحذاء أو وضع المعجون على فرشاة الأسنان مجهدة جداً لها.
- على الرغم من أن المدرسة واجهت صعوبات منذ البداية، لم تكرر صفاً قط، ومع ذلك احتاجت إلى دعم أو تكييف في مناسبات محددة، مثل منحها وقتاً إضافياً لأداء الواجبات اليومية والاختبارات، أو إجراء بعض الامتحانات بنمط الاختيار من متعدد، بسبب الصعوبة في الصياغة والخط.
- يشيرون أيضاً إلى أنها تتشتت بسهولة بالغة وتحتاج إلى مراقبة مستمرة للقيام بأي مهمة، مثل اللبس أو تنظيف الأسنان أو تجهيز حقيبة المدرسة، وعندما تنفذها تكون بطيئة للغاية.
- لا تظهر مشاكل سلوكية في البيت أو المدرسة تستدعي ذكرها على نحو خاص، بخلاف غضب أو نوبات عابرة.
- مع ذلك، يؤكد الوالدان وجود سلوكيات موجهة ذاتياً مثل العض أو الحك حتى تسبب جروحاً، ولكن فقط خلال فترة الدراسة، وتختفي في العطلات.
- تواجه صعوبات في تكوين والحفاظ على العلاقات الاجتماعية، أحياناً تظهر سلوكاً طفولياً مفرطاً، وعلامات على نضج ناقص لا ينسجم مع عمرها.
التقييم الحركي
أظهر التقييم الحركي مظهرًا مخيخيًا مع اختلال توازن، خطوات تانديم غير مناسبة، اهتزاز رأسي، أتكسيا في الجذع مع تمايل، رجفة دقيقة في الأطراف البعيدة، ديسمترية ووضعية توتّر عضلي أكبر في اليد اليسرى.
التقييم العصبي النفسي
فيما يتعلق بالتقييم العصبي النفسي، وبعد إجراء مجموعة شاملة من الاختبارات تبيّن ما يلي:
- كانت الطفلة مضبوطة الاتجاه جيداً في الزمان والمكان والشخص.
- فيما يخص عمليات الانتباه، على الرغم من وجود عجز متوسط في الانتباه المستمر والانتقائي، كانت بارزة متأثرة الانتباه التبادلي، إلى جانب بطء في سرعة معالجة المعلومات.
- بالنسبة للوظيفة التنفيذية، كانت تعاني من عجز في عدة عمليات فرعية مثل التحكم الكبحى، والمرونة المعرفية، التخطيط، والتحكم والإشراف على السلوك الموجه نحو الهدف. لوحظت صعوبة في حل المشكلات واتخاذ القرار والتفكير التجريدي.
- أظهرت قدرة ذاكرة فورية مناسبة، رغم أن هذه الذاكرة لم تتحسن مع تكرار المادة المطلوب تذكرها، بمعنى أن قدرتها على التعلم كانت محدودة.
- لوحظ وجود عجز في الذاكرة التصريحية الأمامي على المدى القصير والطويل، مع صعوبات في التثبيت والتوطين وترميز المعلومات، إلى جانب التكرار في الاستدعاء الحر وفي التعرف على المعلومات. ويمكن أن يُفسر هذا الأداء الجزئي للذاكرة بوجود عجز في عمليات الانتباه والتنفيذ.
- فيما يتعلق باللغة، تبرز صعوبات في الفهم القرائي، إلى جانب مفردات محدودة وعجز في تشكيل ومعالجة المفاهيم اللفظية.
- أخيراً، لوحظت نواقص في المهارات البصرية المكانية، أخطاء الحركة الإرشادية (apraxia) الطلائعية والحركية والبناء، وصعوبات في تنفيذ تسلسلات حركية وتنسيق ثنائي اليدين.
- بخلاف ما سبق، لوحظت صعوبات واضحة في التعبير والتعرف على العواطف سواء لدى نفسها أو لدى الآخرين، إلى جانب نقص ملحوظ في التعاطف والمهارات الاجتماعية.
التحسنات بعد سنة من إعادة التأهيل العصبي النفسي
بعد سنة من إعادة التأهيل العصبي النفسي، جلسة واحدة أسبوعياً، حدثت تحسينات في جميع الوظائف المعرفية، وخاصة في الذاكرة والتعلم، حيث أصبحت تؤدي بمستوى مناسب لعمرها.
انعكس هذا التحسن في الأداء الدراسي للطفلة، حيث ازدادت استقلاليتها أثناء الدراسة المنزلية وتحسن أداؤها في المهام والاختبارات.
هل يمكننا تفسير العجز المعرفي لدى المرضى المصابين بتأثر المخيخ؟
للخلاصة، ولتفسير هذه الحالة السريرية، هل يمكننا تفسير العجز المعرفي لدى المرضى المصابين بتأثر المخيخ؟ بالطبع يمكن.
على الرغم من أن تشوه شاري لا يزال يُعتبر ككيان سريري يتظاهر أساساً بـعجز حركي، إلا أن هناك مزيداً من المنشورات العلمية التي تؤكد ما كنا نشتبه به حول هذا التشوه، وعن أي حالة مرضية تؤثر على المخيخ، أي أنه من المحتمل جداً أن ترافقها نواقص معرفية (4).
الأدبيات المتاحة واضحة في هذا الصدد. يشارك المخيخ في عمليات متعددة ووظائف مثل الانتباه والتعلم والذاكرة والوظائف التنفيذية والمهارات البصرية المكانية واللغة وتنظيم العاطفة والسلوك والاجتماع. أترك لكم سلسلة من المقالات حيث يمكن مراجعة الوظائف التي يشارك فيها المخيخ بعمق (5,6,7,8,9,10,11,12,13,14,15,16,17,18).
ولكن ليس فقط أن المخيخ يشارك في العمليات المعرفية، بل إنه جزء من شبكات دماغية وظيفية، وهي الأساس الحقيقي لالإدراك (19). كمثال، أترك لكم صورة مأخوذة من مقالة كلاسيكية لـ Dosenbach وزملائه عام 2008 (20)، توضح بشكل تعليمي كيف يتكامل المخيخ في الشبكات الدماغية الوظيفية للتحكم الانتباهي أو التنفيذي.
يجب أن نأخذ في الاعتبار أن التيار السائد في علوم الأعصاب الحالية، والذي ينبغي أن ننقله إلى عقيدتنا كعلماء نفس عصبي، هو أن الدماغ يعمل بناءً على شبكات وظيفية واسعة التوزيع ومرنة وقابلة للتكيّف مع المهمة الجارية (21,22)، حيث يمكن أن يؤدي تلف أحد مكوناتها إلى إحداث خلل في الشبكة بأكملها (23).
لذلك، وبالنظر إلى كل هذه المعطيات، يجب أن نتخلى عن الفكرة التقليدية التي كانت تجعلنا نتوقع نواقص محددة مرتبطة بضرر دماغي بؤري، ونتجه بلا محالة إلى تغيير المنظور في التقييم وإعادة التأهيل العصبي النفسي (24).
المراجع
- Federación Española de Malformación de Chiari y Patologías Asociadas. DOSSIER MC (MALFORMACION de CHIARI). متاح على: http://www.femacpa.com/index.asp?iden=11
- Documento de consenso. Malformaciones de la unión cráneo-cervical (Chiari tipo I y siringomielia). متاح على: http://www.sen.es/pdf/2010/Consenso_Chiari_2010.pdf
- Federación Española de Malformación de Chiari y Patologías Asociadas. Guía práctica.متاح على: http://www.femacpa.com/ficheros_noticias/boletin.compressed.pdf
- Rogers, J. M., Savage, G., &Stoodley, M. A. (2018). A Systematic Review of Cognition in Chiari I Malformation. Neuropsychology review, 1-12.
- Baillieux, H., De Smet, H. J., Paquier, P. F., De Deyn, P. P., &Mariën, P. (2008). Cerebellar neurocognition: insights into the bottom of the brain. Clinical neurology and neurosurgery, 110(8), 763-773.
- Kalron, A., Allali, G., & Achiron, A. (2018). Cerebellum and cognition in multiple sclerosis: the fall status matters. Journal of neurology, 265(4), 809-816.
- Baillieux, H., De Smet, H. J., Dobbeleir, A., Paquier, P. F., De Deyn, P. P., &Mariën, P. (2010). Cognitive and affective disturbances following focal cerebellar damage in adults: a neuropsychological and SPECT study. Cortex, 46(7), 869-879.
- Guell, X., Gabrieli, J. D., &Schmahmann, J. D. (2017). Embodied cognition and the cerebellum: perspectives from the dysmetria of thought and the universal cerebellar transform theories. Cortex.
- Van Overwalle, F., Baetens, K., Mariën, P., &Vandekerckhove, M. (2014). Social cognition and the cerebellum: a meta-analysis of over 350 fMRI studies. Neuroimage, 86, 554-572.
- Buckner, R. L. (2013). The cerebellum and cognitive function: 25 years of insight from anatomy and neuroimaging. Neuron, 80(3), 807-815.
- Sokolov, A. A., Miall, R. C., &Ivry, R. B. (2017). The cerebellum: adaptive prediction for movement and cognition. Trends in cognitive sciences, 21(5), 313-332.
- De Smet, H. J., Paquier, P., Verhoeven, J., &Mariën, P. (2013). The cerebellum: its role in language and related cognitive and affective functions. Brain and language, 127(3), 334-342.
- Timmann, D., Drepper, J., Frings, M., Maschke, M., Richter, S., Gerwig, M. E. E. A., & Kolb, F. P. (2010). The human cerebellum contributes to motor, emotional and cognitive associative learning. A review. Cortex, 46(7), 845-857.
- Leggio, M. G., Chiricozzi, F. R., Clausi, S., Tedesco, A. M., &Molinari, M. (2011). The neuropsychological profile of cerebellar damage: the sequencing hypothesis. cortex, 47(1), 137-144.
- Peterburs, J., & Desmond, J. E. (2016). The role of the human cerebellum in performance monitoring. Currentopinion in neurobiology, 40, 38-44.
- Tirapu Ustárroz, J., Luna Lario, P., Iglesias Fernández, M. D., & Hernáez Goñi, P. (2011). Contribución del cerebelo a los procesos cognitivos: avances actuales. Rev Neurol, 301-315.
- Hernáez-Goñi, P., Tirapu-Ustárroz, J., Iglesias-Fernández, L., & Luna-Lario, P. (2010). Participación del cerebelo en la regulación del afecto, la emoción y la conducta. Revista de neurología, 51(10), 597-609.
- Van Overwalle, F., &Mariën, P. (2016). Functional connectivity between the cerebrum and cerebellum in social cognition: a multi-study analysis. NeuroImage, 124, 248-255.
- Maestú, F., Quesney-Molina, F., Ortiz-Alonso, T., Campo, P., Fernández-Lucas, A., & Amo, C. (2003). Cognición y redes neurales: una nueva perspectiva desde la neuroimagen funcional. Rev Neurol, 37(10), 962-6.
- Dosenbach, N. U., Fair, D. A., Cohen, A. L., Schlaggar, B. L., & Petersen, S. E. (2008). A dual-networks architecture of top-down control. Trends in cognitive sciences, 12(3), 99-105.
- Pessoa, L. (2017). A network model of the emotional brain. Trends in cognitive sciences, 21(5), 357-371.
- van den Heuvel, M. P., & Pol, H. E. H. (2011). Exploración de la red cerebral: una revisión de la conectividad funcional en la RMf en estado de reposo. Psiquiatría biológica, 18(1), 28-41.
- Gratton, C., Nomura, E. M., Pérez, F., &D’Esposito, M. (2012). Focal brain lesions to critical locations cause widespread disruption of the modular organization of the brain. Journal of cognitive neuroscience, 24(6), 1275-1285.
- Price, C. J. (2018). The Evolution of Cognitive Models: From Neuropsychology to Neuroimaging and back. Cortex.
إذا أعجبتك هذه المقالة عن تشوه شاري، فمن المؤكد أنك مهتم أيضاً بقراءة التدوينة التالية:
“تمت ترجمة هذا المقال. رابط المقال الأصلي باللغة الإسبانية:”
Malformación de Chiari tipo I. Caso clínico
اترك تعليقاً